الأمن والأمان من المصطلحات التي دأب الإعلام الرسمي العربي على ربطها بحالة الاستقرار السياسي والاجتماعي التي كانت تميّز ممارسة السلطة في المنطقة مشرقا ومغربا. بقطع النظر عن زيف هذا الاستقرار الذي كان يُخفي أبشع الأنظمة القمعية كما هو الحال في الدول التي عرفت ثورات مؤخرا فإنه يعكس حالة من الإيهام العميق بالانعدام الحاجة إلى التغيير وهو جوهر الهدف من تدوير المصطلح واستغلاله.
لكنّ مفهومي الأمن والأمان عرفا تحوّلا كبيرا استعمالا وتوظيفا ودلالة خلال المدّة التي فصلت ما قبل ثورة تونس إلى حدود الوضع الراهن اليوم في الإقليم وما جاوره. خطورة المصطلح وخطورة دلالته وما يخفيه من معطيات تتجاوزه أبعادا وأهدافا إنما تكمن أساسا في قدرته على إظهار النظام السياسي بمظهر القادر على التوفير الانضباط الاجتماعي ومنع الانفلات بكافة أشكاله المدنية والمسلّحة. إنّ ما كشفته التحولات التي عرفتها المنطقة مؤخرا يُجبر على إعادة قراءة المفهوم والفضاء الدلالي المرتبط به من أجل المساهمة في تفكيك البنية المعجمية والذهنية التي تأسس عليها وعي الاستبداد وثقافته.
الأمن في منظار السلطة العربية
ارتبط أو رُبط لفظ الأمن اصطلاحا ودلالة في الدولة العربية بمفهوم الشرطة أو “البوليس” بشكل كبير حتى صار ملازما لهما بل إن قوات الشرطة صارت تحتكر مصطلح ” قوات الأمن” بمختلف التشكيلات التابعة له والمنضوية تحته. عون الأمن صار هو الممثل الأساسي للمفهوم وهو الساهر على تطبيقه وليس المشرّع أو القاضي أو المحامي أو غيرهم من ممثلي السلطة القانونية.
إنّ محاولة حصر الأمن في السلطة التنفيذية الحاملة للسلاح يعدّ أخطر المغالطات التي مارسها النظام الرسمي العربي لأن قوات تنفيذ القانون ليست إلا الطرف الأخير في المعادلة الأمنية. بل إنّ كل مجالات تحرك السلطة التنفيذية إنما تتحدد بمستوى تفعيل بقية مستويات الأمن الاجتماعي والمالي والاقتصادي والسياسي. فإذا فُقد توازن الأمن الاجتماعي ممثلا في انعدام مواطن الشغل وإنهاك الطبقة الفقيرة والمتوسطة وانتشار الفساد ونهب المال العام فإنّ معدلات الجريمة والانحراف والتطرف وكل أشكال الاعتداءات على الأفراد والممتلكات ستنفجر ولن يكون في إمكان السلطة التنفيذية مهما بلغت من السطوة أن تواجهها.
جميلة بني خالد
النظام الرسمي العربي هو الذي سلّح الثورات وجرّها إلى مربع العنف وهو الذي أثبت زيف مقولة الأمن التي لم تكن تعني في الحقيقة عنده غير قمع الشعب والتنكيل به إذا طالب بحقوقه. هكذا سقطت أكذوبة الأمن والأمان فلا أمن مع الاستبداد ولا أمان مع القمع ولا استقرار دون حرية الشعب وكرامته.